اللوري.. الوحش الذي غنّى له السودانيون!
إذا كنت سودانيًا، أو عشت فترة في السودان، فلا بد أنك سمعت يومًا صوت محرك اللوري الهادر وهو يشق طريقه وسط الصحراء، أو رأيت واحدًا منه يترنح فوق الطرق الطينية في موسم الأمطار، محملًا بالبضائع أو الركاب أو حتى بأغنام تتدلى رؤوسها من الجوانب! اللوري في السودان ليس مجرد شاحنة، بل هو جزء من الثقافة الشعبية، وهو "وحش الطريق" الذي حمل على ظهره أحلام السودانيين منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى اليوم.
دخلت الشاحنات الكبيرة، أو كما يسميها السودانيون "اللوري"، إلى السودان لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما بدأت الحكومة الاستعمارية البريطانية في تمهيد بعض الطرق الترابية لربط المدن الكبيرة بالقرى والأرياف. وقبل ظهور اللوري، كان السودانيون يعتمدون على الجمال والحمير في التنقل ونقل البضائع، لكن مع دخول اللوري، تغيرت الحياة تمامًا، وأصبح السفر من مدينة إلى أخرى أسرع وأسهل، رغم وعورة الطرق وعدم توفر الكباري في بعض المناطق.
اللوري لم يكن مجرد وسيلة نقل، بل كان بمثابة "عمود فقري" للحياة الاقتصادية والاجتماعية في السودان. فمنذ ظهوره، اعتمد عليه التجار في نقل بضائعهم من الموانئ إلى الأسواق الداخلية، وكان الفلاحون يعتمدون عليه في نقل محاصيلهم إلى المدن. كما كان وسيلة المواصلات الوحيدة بين القرى البعيدة، حيث كان الناس يجلسون على ألواحه الخشبية، يتزاحمون وسط الغبار والرياح الحارقة، أو يتدثرون بالأغطية الثقيلة عند البرد القارس.
وكانت بعض الرحلات تمتد لأيام، حيث يضطر السائقون والركاب للمبيت في العراء، وإشعال النيران لطرد الحيوانات المفترسة. أما في موسم الأمطار، فكان اللوري يخوض مغامرات بطولية وسط الطين والمستنقعات، وكان من المعتاد أن ترى الركاب يدفعونه بأيديهم إذا غاصت عجلاته في الوحل!
لم يكن اللوري مجرد آلة صماء في حياة السودانيين، بل تحول إلى بطل شعبي دخل في الأغاني والفلكلور. تغنى به الفنانون، ونسج حوله الناس أشعارهم، وأصبح جزءًا من الذاكرة العاطفية للمجتمع السوداني. ولعل أشهر أغنية تغنت باللوري هي "سايق العظمة سافر وخلاني"، التي ارتبطت في أذهان السودانيين برحيل الأحباب، حيث كان اللوري هو وسيلة الفراق والوداع عند السفر.
و اغنية " دودو بي اللوري دودوبي" التي تصف حركة اللوري وهو يميل ويتأرجح على الطرق الوعرة
, و اغنية " يا سايق الفيات "
..
هذه الأغاني لم تكن مجرد كلمات، بل كانت تجسد واقع حياة السودانيين اليومية، وتعبر عن مشاعرهم تجاه هذه الآلة الحديدية التي أصبحت جزءًا من حياتهم.
مع مرور السنين، ظهرت أنواع مختلفة من اللوري في السودان، ولكل نوع حكاية واسمه الشعبي. فهناك "اللوري السفنجة" وهو اللوري الإنجليزي الشهير من نوع بيدفورد TJ1090والذي ظل يعمل لعقود طويلة رغم تقادمه.
وهناك "اللوري العظمة" وهو الاسم الذي أطلقه السودانيون على شاحنات فيات الإيطالية 681.
و اللوري الانجليزي اوستن و الذي لقبة السودانيون ب " ابيض ضميرك "
أما اللوري قندران، فهو تريلا تجر مقطورة فقد ارتبط باسم منطقة قندر الإثيوبية، حيث كان سائقوه من تلك المنطقة.
معرض الصورة
تعليقات
إرسال تعليق