الزلموكة: السيارة التي جمعت العرب... ثم فرّقتهم .



 في لحظة حديث عابرة مع ابن أختي "مروان"، مواليد عام 2000، سألته بكل براءة: *"عارف الزلموكة؟"* 
فوجدت نظرة فارغة تمامًا، أشبه بنظرة شخص يسأل نفسه: "هي دي لعبة جديدة على البلايستيشن ولا اسم فيلم قديم؟" وهنا، شعرت بصدمة حضارية حقيقية، وكأن جزءًا من تراثنا الثقافي في خطر الانقراض! سيارة *مرسيدس W124*، التي أطلقتها الشركة الألمانية عام 1985، كانت بالنسبة لجيلنا وأكثر من مجرد سيارة. كانت رمزًا للهيبة، للقوة، للرفاهية، بل وحتى للسطوة الاجتماعية. لم تكن تُرى على الطرقات، بل كانت "تُعرض" كما تُعرض التحف الفنية. المصريون، كعادتهم في إطلاق الأسماء على أي شيء وأي أحد، قرروا أن هذا الطراز المميز يستحق لقبًا يليق به. وهكذا، ولدت *"الزلموكة"*! اسم مشتق من شكل مؤخرة السيارة المثلثة، التي تشبه ذيل الطائر المعروف لدينا بـ"الزلموكة". وفي حين كان الألمان يتباهون بتصميمها الانسيابي وميزاتها الميكانيكية، كنا نحن المصريين ننظر إلى "المؤخرة" ونطلق الاسم! .
 زلموكة هنا... بطة هناك... وأرنب في مكان آخر! ولكن القصة لا تنتهي عند المصريين، بل تمتد إلى كل أنحاء العالم العربي. في السعودية وليبيا، لم يكن الشكل الخلفي مثار الاهتمام بقدر ما كان قربها في الشكل من سيارة أخرى أكثر شهرة: *"الشبح"*. ولأنها الأصغر منها قليلاً، أطلقوا عليها لقب *"فرخ شبح"*. 
فيما قرر اهل العراق ان اسمها  "  مرسيدس دب "!! . أما أهل بلاد الشام، وخاصة الأردن وسوريا ولبنان، فقد كان الأمر بسيطًا بالنسبة لهم. الشكل العام، بمصابيحها المدورة ومقدمتها المنحنية قليلاً، جعلهم يطلقون عليها اسم *"البطة"*. بطة؟ نعم، لا تسألني كيف ولا لماذا. وفي اليمن، قرروا أن رشاقتها وسرعتها تجعلها أقرب إلى *"الأرنب"*. وكأنها تجري بسرعة لتفلت من أيدي البلدية في شوارع صنعاء!
 
  عودة إلى مروان، الذي لم يسمع عن الزلموكة من قبل، شعرت للحظة أن التراث ينهار أمامي. هذا الجيل، الذي يفضل أسماء السيارات المستوردة بحروف وأرقام مثل "C300" أو "X5"، لا يدرك حجم العبقرية في إطلاق هذه الأسماء المحلية. المسألة ليست مجرد لقب، بل انعكاس لحالة اجتماعية وثقافية. الزلموكة لم تكن مجرد سيارة؛ كانت حلم الشباب، ومصدر فخر للآباء، ومحل إعجاب الجيران. كانت السيارة التي تجعل صاحبها يمشي بخطوات واثقة، وكأنها تضيف له 10 سنوات من الخبرة و10 درجات من الجاذبية. 
 هل يندثر هذا التراث؟ اليوم، ونحن نعيش عصر السيارات الكهربائية والموديلات ذاتية القيادة، أخشى أن تختفي تلك التسميات الطريفة التي كانت تعبر عن روح الشعوب. ماذا سيطلق الجيل القادم على السيارات؟ هل ستكون أسماء مثل "الكهرباوية" أو "الموبيلية" هي البديل؟ لذلك، أكتب هذا المقال كدعوة للحفاظ على هذا التراث. فكما أن الزلموكة كانت مصدر فخر لجيلنا، علينا أن ننقل هذه القصص لجيل مروان ومن بعده. الزلموكة ليست مجرد سيارة؛ إنها رمز، قصة، ذكرى، وضحكة. فهل سنترك هذا التراث يضيع؟ أم أننا، كما كنا ننبه بالأنوار على الطريق، سنستمر في إضاءة الطريق للأجيال القادمة؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بطيخة يجوب شوارع القاهرة

"المكوة التي أحرجت المصريين في السعودية "